من الأدب النبوي : في الأدب والمجالسة
( 1 ) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر ، ولا يجلس في مكان معين ، وإذا ذهب إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ،وكان عندما يتكلم يشير بيده ، ويعدل بين جلسائه في الاهتمام ،فيحسب كل واحد منهم أنه لا يوجد أحدً أكرم عليه منه، وكل من جلس مع النبي صلى الله عليه وسلم صبرالنبي صلى الله عليه وسلم ، عليه حتى يقضي غرضه وينصرف هو ، ومن سأله حاجة أعطاها له أواعتذر له بجميل القول . وقد وسع الناس منه بسطة خلقه، فصار لهم أباً وصاروا عنده في الحق سواء، مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا تؤبن فيه الحرم . وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جلس، جلس إليه أصحابه مستديرين في شكل حلقات ، وكان أبغض الأخلاق إليه الكذب وكان إذا اطلع على أحد من أهل بيته كذب كذبة لم يزل معرضا عنه حتى يحدث توبة.
( 2 ) كان النبي صلى الله عليه وسلم دائم البشر، سهل الخلق لين الجانب ، يتغافل عما لا يشتهى ، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء والإكبار وما لا يعنيه، وترك نفسه من ثلاث: كان لا يذم أحداً ولا يعيره ولا يطلب عورته ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه، إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير، وإذا سكت تكلموا، ولا يتنازعون عنده، إذا تكلم أنصتوا له حتى يفرغ. وكان يضحك مما يضحكون منه، ويتعجب مما يتعجبون منه، ويصبر للغريب على الهفوة في كلامه وأسئلته،ويقول لأصحابه: إذا رأيتم طالب الحاجة فأرشدوه. ولا يقطع على أحد حديثه حتى ينتهى من كلامه. وكان إذا تكلم أصحابه فأكثروا الكلام تبسم ، وكان يحب سماع تلاوة القرآن من غيره .
( 3 ) كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره التوسع في الكلام ، وكان يخزن لسانه إلا ما كان يعني أصحابه ، ويؤلفهم ولا يفرقهم، ويدعوا الرجل بأحب أسمائه إليه ، ويكرم كريم كل قوم، ويوليه عليهم، ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يبيت شرا لأحد منهم ، يتفقد أصحابه، ويسأل الناس عما في الناس، ويحسن الحسن ويقويه، ويقبح القبيح ويوهيه، معتدل الأمر غير مختلف، لا يغفل عن أصحابه مخافة أن يغفلوا أو يميلوا، لكل حال عنده عتاد، لا يقصر عن الحق ولا يجاوزه، الذين يلونه من الناس خيارهم، أفضلهم عنده أعمهم نصيحة، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة، وكان يحب الفأل الحسن ويكره التشاؤم .
( 4 ) كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصافح النساء وما مست يده يد إمرأة إلا إمرأة يملكها ، ولا يصافح المشركين ولا يكنيهم ولا يرحب بهم ، وكان يصافح أصحابه بيده عندما يلقاهم ولا يسحب يده حتى يسحب الآخر يده ، وكان يعانق من يحب وربما قبل جبهته إذا قدم من سفر . وعانـق جعفر الطيار ، وعلى بن ابي طالب ، وعكرمة بن أبي جهل ، وعثمان بن عفان ، وزيد بن حارثة ، والحسن وحسين وفاطمة .
من الأدب النبوي : مع الصحابة وآل البيت
( 1 ) كان النبي صلى الله عليه وسلم بساما ضحوكا ، وكان أحيانا يضحك حتى تظهر ضروسه ، ولكنه لا يسترسل في الضحك ، وكان يمزح مع أصحابه ويداعبهم و لا يقول إلا حقا ، ويحتضن من يحب منهم ، وعندما يكون مسرورا يبدو وجهه كقطعة القمر ، ولكنه كان دائم الأحزان ، طويل الفكر ، إذا غضب تغير لون وجهه واحمر وامتلئ العرق بين حاجبيه بالدم ،وكان عذبا رقيق الفؤاد يبكي حتى تسقط دموعه على وجهه ، وكان يبكي عند سماع القرآن ، وعند موت الأحبة ، وخوفا على أمته من العذاب .
( 2 ) وكان النبي صلى اللّه عليه وسلم جميل العشرة، دائم البشر؛ يداعب نساءه ؛ ويتلطف بهم ويوسعهم نفقته، ويضاحكهم حتى أنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين رضي اللّه عنها يتودد إليها بذلك، ويجمع نساءه كل ليلة في بيت صاحبة النوبة التى عندها فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها، وكان عند النوم يتغطى مع زوجته بغطاء واحد ،وكان يضع عن كتفيه الرداء وينام بالإزار، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليلاً قبل أن ينام، يؤانسهم بذلك صلى اللّه عليه وسلم،وكان بلال هو المسئول عن شئون النفقة على بيوته .
( 3 ) كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل نساءه ، ويقبل إبنته السيدة فاطمة وإبنه إبراهيم ، والحسن والحسين ، وقبل جبهة جعفر الطيار، ، وعانقه عند قدومه من الحبشة ، وقبل عثمان بن مظعون وهو ميت ، وزيد بن حارثة وإبنه أسامة .
( 4 ) كان النبي صلى الله عليه وسلم يمازح الأطفال ويباسطهم ويرقص الحسن والحسين وينشد لهما ويمص لسانهما ويحملهما على عاتقه ، وكان الطفل يبول عليه فلا يقطع بوله ،وكان يضاحك الحسين ويلعب بالجري معه حتى يقبضه ، وكان يمسح مخاط أسامة بن زيد ويغسل وجهه ويقبله ويقول : لو كان أسامة جارية لزيناه وجهزناه وحببناه إلى الأزواج ،وكان أسامة وقت ذاك مصابا بالجدري وكان طفلا أسود اللون . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحمل أمامة بنت زينب وهو يصلي بهم الفريضة ، وقال لأنس بن مالك : يا ذا الأذنين ، ورجز لفطيم بن مالك يا أبا عمير ماذا فعل النغير ،و كان يلاعب زينب بنت أم سلمة، ويقول: يا زوينب، يا زوينب، مرارا ويقول أنس ، ارسلني النبي صلى الله عليه وسلم ، فذهبت ألعب مع الصبيان في السوق ، فإذا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قبض بقفاي من ورائي فنظرت إليه وهو يضحك فقال: أنيس ذهبت حيث أمرتك قلت: نعم أنا ذاهب .
من الأدب النبوي : في والتواضع والحياء والشجاعة
( 1 ) كان النبي صلى الله عليه وسلم يجيب دعوة العبد، و كان يأتي ضعفاء المسلمين، ويزورهم، ويعود مرضاهم، ويشهد جنائزهم ، كان يؤتى بالصبيان فيدعو لهم ،ويبارك عليهم ويطعمهم التمر الممزوج بريقه ، فيكون ريق النبي صلى الله عليه وسلم أول ما يدخل بطن الطفل. وكان يقول لخادمه : ألك حاجة ، وكان يمشي بقدميه إلى جوار الراكب على فرسه وكان يركب الحمار.
وكان يوم بني قريظة يركب على حمار لجامه حبل من ليف وبردعته من ليف، وكان يدعى الي خبز الشعير و( الربيت ) فيجيب الدعوة . وحج على رحل رث وعليه قطيفة لا تساوي أربعة دراهم فقال : اللهم أجعله حجا لا رياء فيه ولاسمعة . وعندما فتحت له مكة ودخلها بجيوش المسلمين طأطأ رأسه على رحله حتى كاد وجهه الشريف يمس ظهر دابته تواضعا لله تعالى . وكان يساعد زوجاته في البيت، و يحلب شاته ويرقع ثوبه ويخصف نعله ويخدم نفسه ، وينظف البيت ، ويعقل البعير ويعلفه ، ويأكل مع الخادم ويعجن معها ويحمل بضاعته من السوق . وعن انس : إن كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت حتى تقضي حاجتها . وقال لرجل إرتجف من هيبته هون عليك انما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد ( اللحم المجفف ) .
( 2 ) كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد حياءا من العذراء في خدرها ، وكان أصبر الناس على أقذار الناس وإزعاجهم ، وكان صلى الله عليه وسلم يسبق من لقيه من أصحابه بالسلام ، ويسلم على النساء والصبيان تأديباً لهم وتعليماً لمعالم الدين ورسوم الشريعة ، وإذا سلم عليه أحد رد عليه كتحيته أو بأحسن منها ولم يرد على أحد السلام بإشارة من يده أو برأسه ، وكان إذا لقيه الرجل من أصحابه مسح على رأسه ودعا له .
وكان يحب لله ويبغض لله ، ولم يغضب لنفسه قط ، وكان يحب أن يظهر العبد نعمة الله عليه ويكره البؤس والتباؤس ،
( 3 ) كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس صورة وسيرة ، وأجود الناس بكل ما ينفع ، و كان أكملهم شرفاً وأيقظهم قلباً وألطفهم طبعاً وأعدلهم مزاجاً وجديرا بأن يكون أسمحهم صلة وأنداهم يداً وكان أشجع الناس و أقواهم قلباً وأجودهم في الحرب و البأس فكان الشجاع منهم الذي يلوذ بجانبه عند التحام الحرب وما ولى قط منهزماً ولا تحدث أحد عنه بفرار ، وقد جمع صفات القوى كلها، واكتساب الفضائل وتجنب الرذائل والجود وأمهات الأخلاق الفاضلة.