لا تقتصر أهداف وكالات الأنباء العالمية وفروعها الإقليمية على ما تدسه في الجوانب السياسية وحدها، بل عادة ما تتلون محاولاتها لتغييب الحقيقة على الجماهير المتلقاة لـ"رسالتها" الإعلامية بما تقتضيه الضرورة، وما يناسب المجال الذي تخوض فيه تنفيذاً لأجندتها الخاصة المتعاكسة في معظم الأحوال مع قيمنا وثوابتنا.
واليوم نحن إزاء مثل جديد وخطير لتلك المحاولات التي تلتحف بكلمات موهمة لتمرير أكاذيب تؤثر في القناعات العامة لأبناء المسلمين وبناتهم؛ فقد طالعتنا وكالة رويتر بتقرير عجيب عن الحجاب نسبت فيه أقوالاً للشيخ الأزهري الراحل المعروف محمد عبده، أرادت أن توحي بها بأن الشيخ قال أن الحجاب لا أصل له في الشريعة؛ فيما كان الرجل يتحدث عن النقاب، وهو أمر يخالفه فيه كثير من العلماء غير أنهم في الوقت ذاته يمقتون التلبيس والتحوير في كلمات الرجل لحاجة خبيثة في نفوس أصحابها.
الطبيعي والمألوف أن تتلقف وسائل الإعلام العربية العلمانية ومنها تلك التي يملكها الملياردير القبطي المعروف نجيب ساويرس الذي يحمل رأياً سلبياً في الحجاب لا يخفيه، وحاولت الإيحاء بشكل أكثر فجاجة بأن ثمة عالم ينتقد الخمار ذاته ويصفه بالعادة المجتلبة من الاختلاط بالأمم الأخرى.
جمع من العلماء والمفكرين في مصر تصدوا لهذه الافتراءات ومنهم الدكتور محمد عمارة الذي قال: " هذا الكلام محض كذب وافتراء على الرجل (..) لم يقل أبدا هذا الكلام المنسوب إليه من أنه شكك في فرضية الحجاب، بل أثبته في كل كتبه ومؤلفاته كما اثبت فرضيته بالكتاب والسنة، أما بخصوص النقاب فكان يناقشه في إطار ما اجتمعت عليه آراء علماء الأمة (..) رأى الإمام محمد عبده في الحجاب واضح كوضوح الشمس ولا يستطيع أي إنسان أن يثبت أن الرجل قال مثل هذه التخاريف التي تشكك في ما أوجبه الإسلام فيما يخص الحجاب، أما كلامه عن النقاب فله وجهة نظره وقد يختلف معه بعض العلماء (..) وبعض وسائل الإعلام صاحبة الفكر العلماني تفسر أقوال العلماء الكبار في مثل هذه المسائل بما يخدم توجهاتها وأفكارها العلمانية التي تريد النيل من الإسلام وعقائده".
وعلى هذا المنوال تحدث أكثر من عالم، لكن الأهم في الأمر ليس إعادة اختراع العجلة في مسألة شرعية للعلماء فيها آراؤهم المختلفة، وإنما في هذا الشره العلماني لتلقف أي شاردة أو واردة أو إشارة من بعيد للتشكيك في شعائر ديننا.
الأمر ذاته، حصل مع الداعية الشيخ عائض القرني الذي أثارت وسائل الإعلام العلمانية العربية زوبعة مفتعلة حول فتوى قالها لإحدى السائلات مصدرة الأمر على أنه سيثير جدلاً ونقاشات بين العلماء والدعاة في السعودية، مع أن الواقع أن علماء هذا البلد وغيره من بلدان الإسلام يعرفون أقدار الخلافات، ويحترمون آراء من يخالفونهم، ولا ينجرون لمساجلات يتوهم العلمانيون في مخيالهم حدوثها ظناً منهم أن العلماء يشاطرونهم الغوغائية التي تسيطر عليهم.
وإذا كانت تلك الوسائل تريد أن تمرر تسلسلاتها المقصودة سعياً لتغريب المرأة المسلمة؛ فبوسعهم أن يفعلوا بعيداً عن التحريش بين العلماء والدعاة والفضاء مفتوح لهم للتسويق لمفهومهم الرخيص عن المرأة.
إن ما نراه من تداعي في وقت واحد يستدعي فتوى قالها شيخ أزهري قبل مائة عام لغير سياقها ووقتها (وهو جلد في البحث في كتب التراث "الصفراء" يحسدهم عليه "التقدميون من طلاب العلم"!! وهم يثبتون بذلك أن فتوى الرجل "صالحة لكل زمان ومكان" مع أن القرآن نفسه في ضمير بعضهم لا يصلح لذلك!!)، يشي بأن القضية أكثر من نزهة محرر في عالم الكتب، أو متابع علماني لبرامج الفتاوى على الهواء!! وإنما تدبير تتساند فيه مؤسسات وجهات وفضائيات ووكالات نسأل الله أن يذهب بأسه عن المسلمين والمسلمات.
وهي أكثر من "مراهقة" صحفية كتلك الموجودة في المنتديات وموقع اليوتيوب لاجتزاء كلمات العلماء من قبل شباب أخرق يتتبع زلات العلماء والدعاة، إنه إرادة توافقت عليها تلك الجهات وتمرره بقدر من الغوغائية والتدليس مستفيدة من ثقة القراء فيها وبساطة بعضهم.